النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عاشوراء

  1. #1

    عاشوراء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قصة الإسلام في الهجرة و اشوراء"
    سويته.. ونفختُ فيه من روحي" سورة ص 72
    1. خمسة ألفاظ تساوي ست كلمات.
    فاجئني أحدُ طلابي، في رأس السنة الهجرية، بسؤالٍ مدهش، بعد تحية العيد، قال: أستاذ.. لماذا لا تهاجر لتتعلم القراءة..
    قلت: هل تعتبرني مواطناً أمياً لا أعرف القراءة..؟
    قال: نعم، اعتبرك مقيماً في صمتك، لا ترفع صوتك بالقراءة التي تشير إليها وترمز إلى كنوزها دون إفصاح.
    قلت: وهل تقبلُ أُذناك القراءة الجهيرة؟.. وإذا وعت أذناك ما سمعتا فهل تلتزم أنت بما وعتا؟
    قال: أقبلُ أن أسمع، اليوم، قراءتك الجهيرة لخمس كلمات، هي: عاشوراء، حسين، علي... يزيد... معاوية..
    قلت: قرأت أربعاً منها على ضوء القرآن وقواعد لغته.. ففهمتُ عاشوراء على ضوء مشتقاتها في سبع وعشرين سورة من سور القرآن.
    وإذا قرأنا لفظ "عاشوراء" قراءة جهيرة قرئت الكلمات الأخرى بالمنهج نفسه.
    وإذا قرأنا لفظ "عاشورا" قراءة جهيرة قرئت الكلمات الأخرى بالمنهج نفسه.
    فماذا تعني عاشوراء..؟
    وما هو منهج الإسلام القرآني لقراءة هذا اللفظ..؟
    وما فائدة الناس في عصرنا من إحياء هذه المناسبة العتيقة..؟

    2. الدرس العملي لرد التحديات:
    إن هذه الأسئلة تحرك تاريخنا كل، ماضياً ومستقبلاً. لأنها تستوضح منهج الإسلام في القراءة، فهل نقرأ مبادئ الإسلام بمنهجه هو، أم بمناهج أهوائنا نحن..؟ ولأنها تستوضح استعداد المسلمين لقراءة تاريخهم، فهل المسلمون مستعدون لقراءة عصرية جهيرة..؟ ولأنها تستوضح استعدادهم لعيش ما يقرأون فهل نحن مستعدون لالتزام ما يكشفه لنا منهج القرآن في القراءة..؟
    لذلك اتخذ اليوم من مناسبة عاشوراء درساً عملياً للإجابة على الأسئلة التي تتحدانا..

    3. علاقة عاشوراء بالهجرة النبوية
    فعاشوراء واقعة تاريخية، ترتبط بواقعة تاريخية أخرى، هي الهجرة فلماذا الهجرة، ما سببها، وما غايتها..؟
    ولماذا عاشوراء، ما سببه، وما غايته..؟
    بعث النبي العربي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة وهاجر منها إلى المدينة منذ ألف وأربعمائة عاماً..والمسلمون من كل الأمم، يعتبرون يوم هجرته بدء تاريخ جديد، لأن هجرته كانت تحقيقاً لوجود الإسلام وإنقاذاً لمفاهيمه.. فما هو الإسلام..؟
    الإسلام محبة لكل بني آدم.. معياره الاتجاه إلى الخالق الذي جعل الإسلام ديناً وجعل لغته المحبة، مع الله ومع خلقه، عبارة القرآن: "يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.. المائدة 5/54
    تلك هي قومية الإنسان الإلهية التي جاء بها الإسلام كما بدأ، وإليها ينتمي المحبون من الأقوام. فكل قوم لا تنهض قوميتهم إلا بالمحبة، لا فرق بين أبيض أو أسود، أو أصفر أو أحمر.
    إن أكرمكم عند الله اتقاكم، كما يقول القرآن الكريم الحجرات 49/13.
    هذه قومية الإنسان الإلهية في الإسلام: المحبة، والنفع، والتوحيد، على مستوى المادة – الجسد والواقع.. وعلى مستوى الروح – القيمة والمثال فالناس كلهم من نقس واحدة في تعبير القرآن، وكلهم لأدم في تعبير النبي الذي حمل القرآن إلى الناس وقال: كلكم لآدم وآدم من تراب.
    دعا النبي إلى وحدة الإنسان، والعمران، والديان: فرمز بآدم إلى الأبوة الإنسانية، وإلى انتماء كل الناس إليها، وهذه وحدة الأجناس، والأعراق، والألوان..
    ورمز بالتراب إلى الوجود المادي. وأصل الجسد الآدمي، ومسرح النشاط البشري، ليلهم وحدة العمران التي تتحقق مع الأجيال والأزمان، فكل الناس يستفيدون اليوم من معطيات الكهرباء، ومن معطيات الهواء والماء، ومن معطيات الزراعة والبناء..
    ورمز بالكل إلى حركة التراب لنشأة آدم بفعل نفخة من روح الله كما يقول القرآن: سويته ونفخت فيه من روحي.. (ص 48/72) وهذه النفخة التي حركت التراب فصار إنسان وصار عمراناً، هي رمز لهذا التوحيد كانت رسالة النبي، وثورته الاجتماعية، وتعاليمه الإصلاحية، ومن أجل تثبيتها لنفع الإنسان هاجر من مكة إلى المدينة، فانعطف التاريخ بهجرته نحو رقي الإنسان وسعادته...
    4. أسبات الثورة الحسينية:
    فلماذا هاجر سبطه الحسين بن علي من الحجاز إلى العراق بعد ذلك بستين عاماً؟
    هل ثار الحسين لغير الأسباب التي هاجر لها جده..؟ وماذا كانت نتيجة هجرته وثورته عليه السلام..؟
    رأى الحسين عليه السلام ما رأى جده قبل الإسلام، من ظلم الإنسان للإنسان، رأى الناس ينحرفون بالطريق الذي رسمه جده لرقي الإنسان، رآهم يستسلمون للباطل، ويتعصبون له ضد الحق. رأى المنكر والفساد يحكمان الأمة التي بعث وهاجر من أجل صلاحها وإنقاذها جده. رأي مصلحة الفرد القوي يوم ذاك، تطغى على المصلحة العامة، مصلحة الشعب والفقراء والبسطاء.. فماذا يصنع الحسين عليه السلام للإنسان، ومبادئ الإسلام..؟
    لقد رسم لنفسه خطة للتنفيذ، ليوقظ الروح التي أيقظها جده من قبل، فقال: "لابد أن أقتل في سبيل الحق.. ولا استسلم للباطل.. قرر الحسين عليه السلام أن يقدم نفسه الزكية لإزكاء روح الإسلام في نفوس الناس. وروح الإسلام لا تقبل المنكر ولا تأخذها في الله لومة لائم.
    وهاجر الحسين عليه السلام، أو خرج من الحجاز إلى العراق، ومعه من معه من آل بته. ولم تكن هجرته الثائرة أشراً، ولا بطراً، ولا إفساداً ولا ظلماً، كما يقول. ولم تكن لأنه لم يعين خليفة، أو إماماً، أو مفتياً، أو غير ذلك. بل هاجر لأنه يطلب الإصلاح في أمة جده، ولأنه يريد أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، وهذه عبارته: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي لله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين.."
    هاجر الحسين عليه السلام، إذن لطلب الإصلاح في أمة جده هي أبناء آدم كلهم، لأن الإسلام دين الله، وأن لغة الإسلام المحبة المتبادلة بين الله وقومه المحبين.. فكل المحبين في الله، النافعين لخلقه، الملتزمين بتعاليمه، الموحدين بين جنوده، هم المسلمون لله، المسلمون، المفوضون أمورهم لخير الحاكمين، الذي أسلم له من في السماوات ومن في الأرض..
    لتلك التعاليم، هاجر الحسين عليه السلام ثائراً يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحمل في سبيل الإسلام ما يتطلبانه من ممارسات وتضحيات. وما الإسلام غير احتضان الناس وتربيتهم بالأمر والنهي..ظ وما المعروف..؟ وما المنكر..؟ من مظاهر المعروف: الصدق. التضحية، المحبة، التسامح المعرفة التفكير لخير الإنسان العام..
    ومن مظاهر المنكر: الكذب. الحقد. الخداع. الكراهية. التنازع. الغيبة. النميمة. النفاق. الادعاء. التكبر. التفرقة. الجهل. التفكير بالانا الخاص على حساب ما يؤذي الإنسان العام ومبادئ الإسلام..
    هاجر الحسين عليه السلام وثار لينقي جو الإسلام من غيوم المنكر الحاجبة فقد فهم الإسلام وحدة اتجاه إلى الله، وليس فرق سياسية، وافتتاح متاجر باسم الإسلام.
    أراد الحسين عليه السلام أن يؤكد مفهوم الإسلام في أذهان الأجيال.. أراد أن يوقظ عند الناس بين حق الإسلام العام الذي هو خير الإنسان وإسعاده، وبين باطل المستبد الخاص الذي هو شر للشعب وفساد للأمة..
    وكانت النتيجة: قدم الحسين عليه السلام نفسه، وأنفس الحسينين، حملة الدم النبوي والولاء العلوي.. قدم نفسه وآل بيته أوراقاً لتكتب عليها مبادئ الإسلام كما بدأه جده، بحبر من مشيئته الله في دمائهم وشجاعة مرؤ تهم وكانت المكافأة الكبرى لحسين عليه السلام: عاشوراء.
    5. عاشوراء وكلمة السر
    فما معنى عاشوراء – المكافأة..؟
    لعاشوراء هذه ثلاثة معانٍ، هي:
    المعنى الأول: عاشوراء يعني اليوم العاشر من شهر محرم، وفيه استشهد أبو الشهداء، ورمز الفداء، الإمام الحسين بن علي عليه السلام.. لكن هذا المعنى لا يليق بالمناسبة الحسينية، ولا يخصصها، ولكل عاشر من أي شهر يقال له: عاشوراء، كما يقال لكل تاسع منه تاسوعاء، وبذلك تبطل القيمة والأهمية المنيطتان بهذه التسمية..
    والوراء الذي يعني الإمام تلابسه معاني التقدم، ومتطلباته: نخوة، وشجاعة، وتضحية.
    والحسين بن علي عليه السلام، تطلع إلى الوراء، فرأى الإسلام كما بدأه جده: محبة، ونفعاً، وتوحيداً، وخيراً عاماً للإنسان..
    وتأمل فيما حوله: فرأى: الانحرافات، والمنكرات السائدة، فتخلف عن أصحابها، ولم يتبعهم، ولم يوافقهم على ما هم عليه: بل احتمل مفاهيم جده، فانتشل مفهوم الإسلام من طغيان الحكم المضلل، وأنار سبيل الإنسان الذي يحب الحياة: إشراقا وشرفاً، وصدق فداء.
    وهكذا انبلج التاريخ العميق بهذه التسمية الغنية الملهمة، فقالوا، ونقول: عاشوراء، عاش ابن بنت النبي.. فقد انتشل الإسلام من الغرق، ودفعه إلى الحياة ثانية، لتكون به أمة جده خير أمة أخرجت للناس: تعبد الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.. فقول التاريخ: "عاشوراء" كقولنا لمن ينقذ غريقاً: عاش البطل..
    المعنى الثاني: يظهر كلمة السر، الكلمة السادسة التي غابت عنك يا صديقي، عندا طلبت إلىَّ أن أقرأ بصوت جهير، خمس كلمات، هي: عاشوراء. حسين. علي.. يزيد. معاوية..
    فعاشوراء: كلمتان، نحتتا بواحدة. والكلمتان هما:
    عاش: وهي فعل يعني صار ذا حياة.
    ووراء: وهي اسم يعني، في لغة القرآن، ولد الولد. أي الحفيد أو السبط هو هنا ابن بنت النبي، الحسين بن علي عليه السلام.
    المعنى الثالث: يحول الواقعة التاريخية المعنية رمزاً يتحدد مع كل فرد. في كل عصر. في أية أرض.
    فالوراء، في اللغة يعني غير ما تقدم: الخلف، والقدام، وغير، وسوى.
    والوراء الذي يعني الخلف تلابسه معاني الرجوع إلى الخلف، أما عجزاً عن التقدم، وإما استلهاماً لمعطيات الماضي الملهمة..
    وأما اندماج الكلمتين بواحدة، والنحت الذي طرأ عليهما، فيعود إلى الحادثة التاريخية نفسها، ويلهم بعداً آخر فيها..
    فالحياة الحقة الباقية لا تتولد إلا من اتحاد الفعل مع الفاعل اتحاداً لا يكاد يترك مجالا للتفريق بينهما.
    وهذا يعني إن الإخلاص للمبدأ، واتحاد الإنسان بمبدأه، يجعلهما واحداً، ويجعل فعل الفاعل ذات الفاعل، لأن الفاعل يتقنه إتقاناً يصب به كل ذات نفسه كما صب الحسين عليه السلام ذات نفسه كلها في فعل هجرته الذي رواه مرة إلى الوراء لينتشل الإسلام الغريق، ورماه مرة إلا الأمام ومعه الإسلام البهي الذي لا تأخذه في الله لومة لائم..
    ومنذ ألف واربعمائة وأربعة وعشرون عاماً، والأجيال تردد للحسين: عاشوراء. أي عاش، عاش ابن بنت رسول الله. ونحن إذ نوحد مع الأجيال بين الفاعل والفعل، كأنما نقول: عاش الإسلام الذي بدأه رسول الله، وهاجر من أجله.
    وإذا اختلفت نتائج الهجرتين مظهرا فقد اتحدت جوهراً.
    فالقضية ليست قضية: محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام.. وإنما هي قضية المبدأ الإلهي المخطط لخير الناس جميعاً.
    فندما هاجر النبي العربي صلى الله عليه وآله وسلم لينجو من الاغتيال، كان المبدأ لا يزال بحاجة لرعاية وتبليغ، فنجا بنفسه لينقذ المبدأ..
    وعندما هاجر الحسين عليه السلام ليقتل في سبيل الحق، كان المبدأ موجوداً، ولكنه يغرق، ويحتاج لمن يموت في سبيل انتشاله.. وهكذا أقدم الحسين عليه السلام على التضحية بنفسه وأنفس آل بتيه، لتكون الأنفس العلوية، بالنسب والولاية، صحفاً وحبراً لتثبيت مبادئ الإسلام، كما بدأه جد الحسين عليهم السلام.
    وهل في الكون مكافأة أسمى من أن يتحول الإنسان مداد لكلمات الله، تشرق في مستقبل الإنسان، هداية وإنقاذاً..؟
    قال صديقي: فهمت الكلمة السادسة، وقرأت معك عبارة: عاشوراء. واشعر أنني تعلمت القراءة، وأستطيع قراءة الكلمات الباقية بالطريقة نفسها.. لكنني لا أكتمك خواطري..
    قلت: وماذا خطر لك..؟
    قال: كنت استغرب ما تقوله وأنت تستولد عبارة "عاشوراء" المعاني التجددية..
    أدهشتني هذا الحفر في الكلمة بالمنهج الذي سميته: المنهج الإسلامي للقراءة، وأدهشتني، وأصارحك بما لم تعرف، أن يكون حفرك حفرين:
    الحفر الأول: هو الغوص على معاني الكلمة المختلفة، وإظهار العلاقة بين هجرت النبي وهجرة الوراء، أعني بالوراء اكتشافك الجديد لمعني الحسين عليه السلام، وإيضاح العلاقة بين الهجرتين وبين الله والإنسان..
    أما الحفر الثاني: فهو في نفسي أنا، وهذا الذي لا تعرفه أنت، فقد لاحظت تطورات عجيبة على نفس، فقد كانت نفسي مثل لفظة "عاشوراء" لا أفهم منها إلا أنني"رفيق القادري" طالب الدراسات العليا إلى أخره..
    لكنك، كلما كنت تخطو خطوة لإزالة الحجب عن عبارة عاشوراء، كنت أنا أخطو خطوة نحو نفسي فأفهم احتجابها عن معرفة الحقيقة.
    كنت، بصراحة، أظن الإسلام شيئاً رجعيا قديماً، لم يعد قادراً على نفع الناس بشئ، وكنت أظن أن أكثر ما في الإسلام رجعية يظهر في المناسبات الشيعية، خصوصاً عاشوراء وما يسفح فيها من دموع ودماء..
    وكنت أعتقد أن العقائديات الحديثة، هي المنابع التقدمية التي تنقذ الإنسان وتوحد بين الأجناس..
    لكنني قمت بمقارنات خاطفة وواسعة، وأنت تشرح معاني الهجرتين: هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهجرة حفيده الحسين عليه السلام.. فوجدت كنوز الإسلام تشع أنوارا تقدمية حولت في خاطري كل شئ.. فالإسلام القديم ثورة دائمة يفجرها المبدأ في معتنقه الملتزم حيث وجد وبأي ظرف..
    وتذكرت قراءاتي عن "تطور الفكر الماركسي" وعن "الثورة الدائمة" فرأيت وقد يستغرب رفاقي ذلك، أن توقعات ترو تسكي المتوفى 1940م نفسه، وهو صاحب أكثر المذاهب الشيوعية تجدداً، رجعية بالنسبة للمفاهيم الإسلامية التي أثرتها واستخرجتها من عبارة عاشوراء.. وقد يوافقني الحكماء الأذكياء من رفاقي على هذا الرأي، كما فعل الأذكياء في صميم روسيا"
    أعجبتني المبادئ المجددة المنقذة التي أثرتها من هذه المناسبة العتيقة، ولكنني أتعجب من الاختلاف الكبير بين ما توحيه مبادئ الإسلام كما بدأ، وبين ما نحن عليه من شقاء وقلق وضياع، وهذا الذي يحيرني كلما تأملت في إنساننا الضائع الشقي، وفي مبادئنا المرشدة المسعدة، فإلى م يعود ذلك..؟
    قلت: لأن القضية قضية الالتزام. فكيف يقوى شعب، أو يهتدي بمبدأ لا يلتزمه ولا يعيشه، ولا يطبق نظرياته.. بل يخالفه في حياته العملية، إن لم يحاربه ويحارب المذكرين به؟
    الإسلام يا صديقي مبادئ ترسم للإنسان مذهباً قويماً منقذاً، هو المحبة والتوحيد.. ولكننا في واقع حياتنا نسلك مذاهب غير الإسلام، عنيت مذاهب أهوائنا. فواقعنا مذاهب بلا إسلام.. وإسلامنا: بلا مذاهب، يدعو الذاهبين فما يسمعون، وإذا سمعوا لا يجيبون ولا يذهبون.
    من هنا كانت المشكلات، والمقلقات التي تتعجب من تشبثها بالإنسان. فالمشكلة كلها في الالتزام، والمبادئ كلها، سواء أكانت دينية أم حزبية، لا تمنح القوة، إن لم تلتزم عملياً.
    ومشكلتنا اليوم، مشكلة المبدأ والالتزام، هي التي أثارت الحسين عليه السلام: ولحل المشكلة في أيامه كانت: عاشوراء.
    فعاشوراء: ثورة كسرت صمت الخنوع، لتنتشل المبدأ والإنسان من طغيان الضياع والتضليل.. وهي دعوة مفتوحة لنا لنثور على الضلال والتضليل، في نفوسنا، وفي ما حولنا، وفي كل ما يبعد الإنسان عن إنسانيته: محبة، ونفعاً وتوحيداً..
    فهل تتصور، بعد ذلك، فائدة لنا من إحياء مثل هذه المناسبة العتيقة..؟
    6. فوائد القراءة الجهيرة
    الفائدة العصرية والمستقبلية لنا من هذه القراءة الجهيرة، أنها تثير ما يدعو إلى خلاصنا من الضياع والقلق والموت الحي، وتجعلنا بالالتزام ذوي حياة تنهض بالقول والفعل..
    وتتلخص صور هذه الفائدة بأربع هي:
    1. الصورة العاشورائية: أي التي تعيدنا إلى ألأعماق الصافية، مثلما عاد الحسين عليه السلام إلى مبادئ الإسلام كما بدأه جده.. ومثلما عاد جده إلى مبادئ الدين التي جاء بها الأنبياء قبله، فأوضح أنها سنة الله الدائمة..
    2. الصورة الهجرية: أي التي تجعلنا نهجر ما عليه جماعة العامة من ضلال وضياع، ولو جمعت أمرها على التضليل.. كما هجر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت عليه جماعة الناس في أيامه.. وكما هجر الحسين عليه السلام ما كان عليه عموم الناس في أيامه.
    3. الصورة المغامرية: أي التي تدفعنا إلى المغامرة لإيقاظ المبادئ المجددة المنقذة للإنسان، بحيث يتضح للناس الفرق بين الإسلام كما بدأ، وبين المسلمين كما يعيشون اليوم.. كذلك غامر النبي العربي صلى الله عليه وآله وسلم وهاجر، لينقي فكرة الألوهية التي تلهم الناس: الوحدة، والمحبة، والمعرفة والتجدد..
    وكذلك غامر ابن بنته، وهاجر، وثار، لينقي فكرة الإسلام الذي يأبى أن يسخر الدين للأنانيات والمصالح الخاصة..
    4. الصورة القرائية الملزمة، أعني أن نقرأ بعمق مبادئنا، ومبادئ الكون، وأن نلتزم مبادئ معرفتنا الخيرة بصبر وعزم حتى نتحد بأفعالنا كما أتحد فعل الحسين عليه السلام به، فتكون بقوة المبدأ سعادة امتلاك للحياة. وسعادة تعاون مع الناس، وسعادة تغيير للعالم..
    فعاشوراء: قراءة واعية، قرأها الحسين عليه السلام لهجرة جده، سببا وغاية.. وهجرة جده: قراءة واعية، قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجهود الأنبياء السابقين عليهم السلام: سنقرئك فلا تنسى"...
    والقرآن: كله قراءة باسم الخالق القوي الودود، هتف بنا من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقرأ باسم ربك الذي خلق.. (العلق 96/1).
    فهذه العبارة تضمنت المادة والمنهج:
    المادة: تعطي بقراءة الكتاب، كتاب الله المسطور في سور القرآن والكتب المنزلة..
    وكتاب الله المصور في دماء الناس وعلى صورهم.. وكتاب الله الحي في صميم كل شئ.
    والمنهج: يعني طريقة القراءة وطريقها، وهما مودعان في كيفية إخراج القرآن. فكل سورة من سوره بدئت باسم الله. وأول آية من آياته أمرت بالتزام هذه الكيفية المنهجية، لنعرف دور القراءة والالتزام، فنقرأ ونلتزم..
    باسم الله.
    بطريق الله..
    وعلى صراطه السوي..
    تكون القراءة المضيئة الجهيرة التي تنقذ الإنسان..
    هذا تراثنا وتراث الإنسانية العظيم، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً..
    فهل نهاجر من أهوائنا وشهواتنا..؟
    هل يهاجر الإنسان في خطى النبي الشاهد وفي مسلك الحسين لشهيد..
    ليتعلم القراءة المحبة الجهيرة..؟
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإلى خاطرة أخرى من خواطر العشق الرباني

  2. #2
    جزاك الله خير الجزاء ع اضافتك المميزة واسهامك الطيب والذي اضاف لنا ما هو جديد وقيم.
    اخوك/ أبومحسن
    [motr]بومحســــن[/motr]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مسجات عاشوراء
    بواسطة امير الشوق في المنتدى منتدى الاتصالات والالكترونيات
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-181211, 10:49 AM
  2. كيف نستقبل عاشوراء؟
    بواسطة بووحيد في المنتدى :: منتدى عاشوراء الحسين (ع) وشهر صفر ::
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-240107, 03:19 AM
  3. مسجات عاشوراء!!
    بواسطة نينوى في المنتدى منتدى الاتصالات والالكترونيات
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-210107, 08:41 AM
  4. كل يوم عاشوراء
    بواسطة بن جاسم في المنتدى منتدى التصاميم والجرافكس
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-140206, 05:09 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •